ممَ يتكون التواصل الشفوي؟

تتكون عملية التواصل الشفوي من نشاط في المخ حيث يصوغ المتكلم فكرته في قالب لغوي يجرى على مقتضيات اللغة المشتركة بينه وبين مستمعيه، وبها تتحقق للرسالة المنطوقة وجود لغوي لتنتقل بعده إلى طور جديد حيث تتولى وظائف المخ المختصة بضبط النشاط العصبي لأعضاء الجسم إرسال تعليماتها على هيئة مثيرات عصبية تنطلق عبر الممرات العصبية إلى أعضاء النطق؛ فتنضبط حركاتها في تتابع أو تزامن دقيق.

وعندما تنشط أعضاء النطق لتعطي القالب اللغوي الصامت وجودًا ماديًا يتحقق للرسالة المنطوقة شكل آخر من أشكال وجودها ألا وهو الوجود النطقي. وبذلك ينتهي دور (الإرسال) الذي يقوم به المتكلم لتبدأ المرحلة الانتقالية ما بين المتكلم والمستمع، فينشأ من ذلك ما يسمى بالموجه الصوتية التي تمثل بدورها الطور الثالث من أطوار الرسالة المنطوقة أثناء انتقالها.  وفي هذا الطور يتحقق للرسالة الوجود الفيزيقي الذي يتم به نقل الرسالة بين المتكلم والمستمع ليبدأ الوجه الآخر من عملية التواصل اللغوي وهو استقبال الرسالة المنطوقة من المرسل وفهم فحواها.

ويتضح مما سبق أن مراحل نقل الرسالة اللغوية بواسطة الكلام تتضمن أربعة مستويات أساسية تتعاقب ثلاثة منها عند المتكلم على النحو التالي

المستوى اللغوي، والمستوى العصبي، والمستوى الفسيولوجي

أما لدى المستمع فينعكس الترتيب والتعاقب بين هذه المستويات فيصير كالتالي

المستوى الفسيولوجي، والمستوى العصبي. والمستوى اللغوي

أما المستوى الرابع – وهو المستوى الفيزيقي – فيمثل مرحلة وسطى ما بين التكلم والاستماع أو – بعبارة أخرى – ما بين الإرسال والاستقبال حيث يتم نقل الرسالة المنطوقة لتصبح رسالة مسموعة

العلاقة الزمانية بين مستويات عملية التواصل اللغوي

ويتضح من ترتيب المراحل على هذا النحو أن المستوى اللغوي يمثل نقطة البداية ونقطة النهاية في الوقت نفسه. ومن هنا تستمد عملية الكسب اللغوي أهميتها. فلابد للمتكلم والمستمع من أن يكونا قد تعلما رموز الشفرة اللغوية، وكيفية حلها ليتمكنا من تحقيق التواصل بواسطة اللغة. كما يتضح أيضًا أن عملية الإرسال والاستقبال والإدراك سلسلة متصلة الحلقات، وأن أي خلل يطرأ على هذه السلسلة في إحدى حلقاتها يعوق عملية التواصل، وقد يفسدها تمامًا. أو يجعلها تدخل في باب المستحيل

ومن الملفت للنظر هنا أن هذا الموقف اللغوي يشتمل في حقيقة أمره على مستمعين لا على مستمع واحد ؛ ذلك أن الرسالة المنطوقة التي يقوم المتكلم بإرسالها ليقوم المستمع باستقبالها إنما تصل في الوقت نفسه إلى مستقبل آخر هو المتكلم نفسه وهذه العملية هي ما يسمى بالاسترجاع غير أن وظيفة السمع بالنسبة للمستمع تحتل المركز الأول من الأهمية؛ لأنها وسيلته وربما الوحيدة لإدراك معنى الرسالة المنطوقة، والأمر ليس كذلك بالنسبة للمتكلم فوظيفة السمع عنده ليست أكثر من وسيلة لمراقبة حركات أعضاء النطق وتحقيق التطابق بين الرسالة الصوتية التي ينبغي بثها والأصوات الصادرة عنه بالفعل

وأخيرًا يمكن القول: إن العلاقة بين المستمع والمتكلم علاقة شديدة الأهمية فيما يخص النمو والتواصل اللغوي. فالكلمة المنطوقة تتبع في نصفها من يسمعها وتتبع في نصفها الآخر من يتكلمها. وهي كلمة مشتركة تصدر عن متكلم. ولابد أن يتلقفها مستمع بعقله وأذنيه. ومن هنا تبدو مقدرة المستمع على إدراك الفكرة بمعاني كلماتها المنطوقة، والتمييز بين دلالات كلماتها المختلفة

ما مقومات عملية التواصل الشفوي؟

هناك مجموعة من الشروط التي ينبغي توافرها لنجاح عملية التواصل الشفوي لابد من تحققها في أجزاء عملية التواصل (الرسالة – المرسل- الوسيلة – المستقبل)

أ- الرسالة: فأما الرسالة فينبغي أن تكون مراعية للترتيب المنطقي للأفكار ومن ثم اختيار المفردات والعبارات للتعبير عن الأفكار، كل ذلك يتحقق في بساطة التراكيب اللغوية، فضلاً عن قلة الرموز والتجريدات، فضلاً عن التحكم في مناسبة حجمها

ب- من حيث المرسل: دور المرسل هنا لا يقل أهمية عن محتوى الرسالة؛ لكونه المسؤول الأول عن إصدارها فينبغي أن تكون الفكرة واضحة في ذهنه مما يعكس عمق خبرته بالموضوع الذي يعالجه فتتنوع طريقته في عرض الأفكار، وتظهر قدرته في اختيار الألفاظ المناسبة، كل ذلك يسانده الصوت الواضح عند الاتصال؛ فضلاً عن قدرته على إعادة عرض الأفكار بتفصيل أكثر ليضرب أمثلة تجعل الرسالة محسوسة وليست مجردة

ج- من حيث الوسيلة: تعد الوسيلة المستخدمة مهمة أهمية الجانبين السابقين؛ حيث تتم عملية الاتصال لو توافرت في الوسيلة عدة خصائص منها: دقتها في نقل الأصوات (بالنسبة للحديث)، كل ذلك يتحقق بعدم وجود مؤثرات جانبية تشوش على الحديث، أما إذا كانت مكتوبة فينبغي أن تكون واضحة الطباعة مما يستلزم أن تكون دقيقة الطباعة مع انتفاء الأخطاء المطبعية، وهذا يظهر في جاذبية الإخراج وحسن تنسيق الصفحة

د- من حيث المستقبل: حتى تكتمل عملية التواصل لابد أن يكون المستقبل متصفاً بعدة خصائص، منها: كونه سليم الحواس حتى يتسنى له استقبال الرسالة (الأذن والعين)؛ بحيث يكون قادراً على فك الرموز التي وصلت إليه لما يتمتع به من دربة باللغة التي يستقبل بها الرسالة؛ مسترشداً بما يمتلكه من خبرة بموضوع الرسالة، كل ذلك يتجلى في اتجاهه نحو الموضوع وتحمسه لأفكاره وألفته بالمرسل وعاداته في الحديث

ما مهارات الاتصال اللغوي؟

للاتصال اللغوي أربع مهارات هي: الاستماع والكلام والقراءة والكتابة وبين هذه المهارات علاقات متبادلة، فالاستماع والكلام (1) يجمعهما الصوت، إذ يمثلا كلاهما المهارات الصوتية التي يحتاج إليها الفرد عند الاتصال المباشر مع الآخرين. بينما تجمع الصفحة المطبوعة بين القراءة والكتابة (2)، ويستعان بهما لتخطي حدود الزمان وأبعاد المكان عند الاتصال بالآخرين. وبين الاستماع والقراءة (3) صلات من أهمها أنها مصدر للخبرات، إذ هما مهارتا استقبال لا خيار للفرد أمامهما في بناء المادة اللغوية أو حتى في الاتصال بها أحيانًا. ومن هنا يبرر بعض الخبراء وصفهم لهاتين بأنهما مهارتان سلبيتان، والحق غير ذلك؛ فالفرد في كلتا المهارتين يفك الرموز بينما هو في المهارتين الأخريين: الكلام والكتابة (4) يركب الرموز كما أنه فيهما أي “الكلام والكتابة” يبعث رسالة ومن هنا تأتي تسميتهما  بمهارتي إنتاج أو إبداع ، والمرء في المهارتين الأخيرتين متلقٍ من غيره (مستمع أو قارئ) والرصيد اللغوي للفرد فيهما أقل من رصيده في المهارتين الأوليين( الاستماع والقراءة) لكون منطقة الفهم عند الفرد أوسع من منطقة الاستخدام